حروب الغلاديو التابعة للناتو ضد الحرب الشعبية الثورية
14 فور 2014 جمع
بات من الواضحِ أنّ القوةَ الأساسيةَ التي تحاربُ في كردستان ضد حملةِ 15 آب، هي قوى الغلاديو
عبد الله أوجلان
بات من الواضحِ أنّ القوةَ الأساسيةَ التي تحاربُ في كردستان ضد حملةِ 15 آب، هي قوى الغلاديو التي تُعَدُّ الجيشَ السريَّ للناتو. فأهمُّ حدثٍ أثبَتَ عدمَ كفايةِ نظامِ الأمنِ التركيِّ في محاربتِه لـPKK، هو حملةُ 15 آب 1984. وفي حقيقةِ الأمر، فنُقصانُ نظامِ الأمنِ هذا بدأَ منذ خروجِنا من أنقرة، وبات أمراً مجزوماً به مع تموقُعِنا في الشرقِ الأوسط. أما إنجازُ الحملة، فقد كشفَ النقابَ عن هذا الجزمِ القاطع. وتلا ذلك إدخالُ غلاديو التابعة للناتو، والتي تجعلُ من ألمانيا مركزاً لها، في جدولِ الأعمالِ سنةَ 1985. هذا وينبغي عدم النسيان بتاتاً، أنّ كونَ الدولةِ الألمانيةِ أولَ دولةٍ أعلنَت PKK "إرهابياً" في 1985، إنما هو بسببِ كونِها مركزاً أُسّاً لجيشِ الغلاديو ذاك. فلدى إنشاءِ غلاديو الناتو، جُعِلَ مركزُه الذي في ألمانيا مسؤولاً عن القِسمِ الذي في أوروبا. لَم نَكُنْ على عِلمٍ بهذه الحقائقِ في البداية. بل وكنا نَعتَبِرُ الاتحادَ الأوروبيَّ والبلدانَ الأوروبيةَ الأخرى وعلى رأسِها ألمانيا، أصدقاءً للنضالِ الثوريّ. وبعدَ ذلك بزمنٍ طويلٍ جداً أدركنا أنّ ما يجري هو حربٌ خفيةٌ مُعلَنةٌ ضد الشعوب (بما في ذلك شعوبُ أوروبا أيضاً، وفي مقدمتِها شعوبُ إيطاليا واليونان والبلقان). فلدى تأسيسِ الناتو، شُكِّلَ هذا الجيشُ أيضاً في وجهِ تَسَلُّلاتِ الشيوعية. وقِلّةٌ نادرةٌ جداً انتبهَت إلى هذا الأمر. هذا وأُدرِجَ الجيشُ السريُّ حيزَ الحركةِ بالأكثر، ضد الثوارِ في إيطاليا واليونان وتركيا وألمانيا. ومع انهيارِ الاتحادِ السوفييتيِّ وخروجِ روسيا السوفييتيةِ من كونِها تهديداً مُلَوِّحاً، خسرَ الجيشُ أهميتَه في البلدانِ الأعضاءِ في الناتو، فيما خلا تركيا التي ارتفعَت فيها أهميتُه إلى مستوياتٍ أعلى بكثير. وقد لعبَت الثورةُ الإيرانيةُ (1979) واحتلالُ أفغانستان من قِبَلِ الاتحادِ السوفييتيِّ (1980) دوراً هاماً في ذلك. علاوةً على تأمينِ الدعمِ اللامحدودِ إلى الغلاديو التركيّ، بسببِ قيامِ تركيا بدورِ الحارسِ في الشرقِ الأوسط. كما إنّ الرغبةَ في حمايةِ إسرائيل أيضاً عاملٌ هامٌّ في هذا السياق. أما مواردُ النفطِ وحمايةُ السلطاتِ المتواطئة، فهي من العواملِ الأخرى الهامةِ التي دفعَت دوماً إلى الإبقاءِ على الغلاديو في الأجندة.
تحققَت انطلاقةُ حملةِ 15 آب غيرُ المتوقَّعةِ في خضمِّ هذه الأجواء. فشبكةُ غلاديو في تركيا كانت مع انقلابِ 12 أيلول العسكريِّ 1980 قد نظَّفَت آخِرَ الآثارِ المتبقيةِ للثوارِ الأتراك. وحملةُ 15 آب 1984 لَم تَكُ في الحُسبان. ولكنْ، عندما تحققَت، اعتُقِدَ بدايةً أنها مغامرةٌ يساريةٌ بسيطة. وسادَ الإيمانُ بقدرةِ الجيشِ الكلاسيكيِّ وقواتِ البوليسِ والاستخباراتِ على تذليلِها فوراً. لكنّ العجزَ عن إنهاءِ أمرِها في العامِ الأول، أفضى إلى نقلِ المسألةِ إلى حلفِ الناتو، الذي أقرَّ في 1985 بالتدخلِ بناءً على المادةِ الخامسةِ من قانونِه التأسيسِيّ. وما قيامُ الدولةِ الألمانيةِ بإعلانِ PKK "تنظيماً إرهابياً"، سوى بسببِ ذاك القرار. بعدَ عامِ 1985 أيضاً كنا نُحاربُ قوات الأمنِ التركيّةِ ظاهرياً، إذ أُبرِزَ هذا المظهرُ عن وعيٍ مقصود. بينما كانت الحربُ تُخاضُ في مضمونِها ضد غلاديو الناتو. لا جدل في أنّ فرعَ غلاديو في تركيا كان يلعبُ دوراً بالغَ الأهمية. ولكنّه لَم يَكُنْ الفرعَ الوحيد، لأنّ ضخامةَ العددِ كانت تمنعُه من نيلِ النتيجةِ المرجوة. وكان عصياً على قوات الأمنِ التركيّةِ أنْ تخوضَ حرباً بهذا النطاقِ لمدةِ عامٍ واحدٍ فقط، فما بالكَ بعدةِ أعوام. وحتى لو خاضَتها، لَكان ذلك دليلاً على إفلاسِها كدولةٍ في غضونِ فترةٍ وجيزة. وعليه، فالحربُ كانت حرباً ضد الناتو، حتى وإنْ لَم يَكُنْ ذلك علناً، بل عمِلَت آليتُها بسريةٍ كبيرة. لقد كانت هذه حرباً تضارِعُ بأضعافٍ مضاعفةٍ ما عليه الحروبُ الناشبةُ حالياً في أفغانستان والعراق، والحربُ التي سبقَتها في الصومال؛ سواء في أبعادِها وآفاقِها، أم من حيث طولِها الزمنيّ. وكنا كحزبِ PKK عاجزين عن استيعابِ الوجهِ الحقيقيِّ والباطنيِّ لهذه الحرب. لذا، كانت انتقاداتُنا الموجَّهةُ إلى أوروبا وأمريكا منحصرةً في المستوى الأيديولوجيّ. وكنا نفتقرُ إلى الآفاقِ التي تُمَكِّنُنا من تحليلِ دورِ الحداثةِ الرأسماليةِ في حروبِ قوى الهيمنةِ التي دارت رحاها في كردستان ضد الشعبِ الكرديِّ خلال القرنَين الأخيرَين وما بعد عشرينياتِ القرنِ العشرين عموماً، وفيما بعد عامِ 1984 ضد PKK على وجهِ التخصيص. ولهذا السببِ ظلّت تحليلاتُنا بشأنِ الناتو تعاني من النقصانِ الفادح، بحيث لَم تَكُ تتجاوزُ المستوى الشعاراتيِّ للاشتراكيةِ المشيدة. كما ولَم نَكُ على عِلمٍ أصلاً بالغلاديو، حتى على مستوى الاسم. لكن، ومع اتساعِ نطاقِ الحربِ الشعبيةِ في كردستان وازديادِ عمقِها، بدأَت هذه الحقيقةُ تطفحُ على السطحِ رويداً رويداً. أما قيامُ أمريكا وإنكلترا بالحذوِ حذوَ ألمانيا في إعلانِ PKK "تنظيماً إرهابياً" بعد عامِ 1990، واغتيالُ البابا قبل ذلك، وجنايةُ أولف بالمه؛ فإذ ما تمَّ التمحيصُ في كلِّ ذلك بإمعان، سيُرى أنه كان يضفي على الحقيقةِ مزيداً من الوضوح. في حين كان كشفُ النقابِ عن شبكةِ غلاديو الإيطاليةِ سياقاً هاماً آخر في هذا الشأن.
قبلَ الخوضِ في سياقِ حروبِ غلاديو ضد PKK وحربِه الشعبيةِ الثورية، من الضروريِّ بمكان استذكارُ مؤامراتِ العهدِ الجمهوريِّ المحبوكةِ ضد المعارضةِ الديمقراطيةِ والاشتراكية، وضد وجودِ الشعبِ الكرديّ. حيث سُحِقَ عصيانُ كوجكري في 1921، وفي أواخرِ شهرِ كانون الثاني من عامِ 1921 خُنِقَ الأعضاءُ الخمسةَ عشر في اللجنةِ المركزيةِ للحزبِ الشيوعيِّ الذي يترأسُه مصطفى صبحي في مياهِ البحرِ الأسود، وشُتِّتَت قواتُ أدهم الشركسيّ في نفسِ العام، إلى جانبِ قمعِ العصياناتِ المواليةِ للسلطنةِ والخِلافة. أما الكردُ والإسلاميون القوميون والشيوعيون، والذين يشكلون المعارضةَ الأصل؛ فجرى إقصاؤُهم وإبعادُهم عن النظامِ الجديدِ الذي سيُشادُ صرحُه في نهايةِ الحربِ التحريريةِ الوطنية. وقُمِعَت ردودُ الفعلِ المناهِضةُ لذلك بحِدّةٍ أعنف في محاولةٍ لشرعنةِ نظامِ الحزبِ الواحدِ الفاشيِّ البِدئيّ. فموجاتُ الفاشيةِ المتصاعدةُ في ألمانيا وإيطاليا في نفسِ الفترة، قد تردَّدَ صداها داخل الجمهوريةِ التركيةِ أيضاً. وهكذا بدأَت رسمياً مزاولةُ ممارساتِ الصهرِ والإبادةِ الجماعيةِ المستهدِفةِ لوجودِ الكردِ مع حادثةِ 15 شباط 1925 الاستفزازية، وسُحِقَت المقاوماتُ الناشبةُ في وجهِ ذلك، فكانت آخرَها مجزرةُ ديرسم 1938، والتي انتهَى مآلُها بالسكنِ الإجباريِّ للغالبيةِ الساحقةِ ممَّن تبَقّى من أبناءِ الشعب. وعلى خلفيةِ المعاهداتِ المُوَقَّعةِ مع القوتَين الإمبرياليتَين الإنكليزيةِ والفرنسيةِ في تلك المرحلة، فقد طُبِّقَت شتى أساليبِ القمعِ والاستغلالِ والصهرِ بغرضِ تجزئةِ كردستان وإبعادِ الكردِ عن هويتِهم. ذلك أنّ الهدفَ المأمولَ كان خلقَ دولةٍ قوميةٍ متجانسة.
بعدَ دخولِ حلفِ الناتو في مطلعِ الخمسينيات، تشكلَت "لجنة التدقيق والتفتيش"، التي هي فرعُ غلاديو في تركيا. وستغدو الغلاديو التركيةُ بَعدَ هذا التاريخ، القوةَ التي ستتحكمُ بجميعِ قوى المعارَضةِ والسلطةِ السياسية. هذا وتُعَدُّ حوادثُ السادسِ والسابعِ من أيلول، وإدراجُ "منظمة المقاومة القبرصية" حيزَ التنفيذِ من أُولى العملياتِ التي قامت بها شبكةُ غلاديو التركية، والتي ربما كانت حملةُ اعتقالِ الشيوعيين في 1951 بدايتَها. أما انقلابُ 27 أيار 1960، وكلُّ ترتيباتِ السلطةِ التي أَعقَبَته، وشلُّ تأثيرِ المعارضةِ والقضاءُ عليها؛ فقد تحققَت جميعُها بمراقبةٍ مباشرةٍ من الغلاديو التركية. هذا وبالرغمِ من تظاهرِ قوى الأمنِ والاستخباراتِ وهيئةِ الأركانِ العامةِ بأنها قوى مستقلةٌ عن بعضِها بعضاً، إلا إنّ التحكمَ بالقوى وتوجيهَها واستخدامَها يجري عبر شبكةِ غلاديو. فالقضاءُ على الحركاتِ الثوريةِ والديمقراطيةِ مع انقلابِ 12 آذار 1971، قد جرى على يدِ شبكةِ غلاديو المتحكمةِ بالنظامِ بأفضلِ صورة. كما إنّ جميعَ عملياتِ الاغتيالِ والمجازرِ المرتَكَبةِ بحقِّ الثوارِ والمثقفين والمتنورين والشعوب، تتصدرُها مجزرتا تاكسيم ومرعش ومحاولةُ اغتيالِ أجاويد، قد حصلَت بأمرٍ وتنفيذٍ من جيشِ غلاديو التابعِ للناتو. في حين يُعتَبَرُ انقلابُ 12 أيلول 1980 العسكريُّ أحدَ أهمِّ عملياتِ غلاديو الناتو. فقد كان الناتو وغلاديو التركيُّ متداخلَين حتى هذا التاريخ، وكانا مستقلَّين عن القوى الأمنيةِ الأخرى، بل ويتفوقان عليها مرتبةً. وإذ ما قُمنا بترتيبِ كرونولوجيا بصددِ PKK اعتباراً من هذا التوقيت:
a) كانت الهجماتُ المستهدِفةُ لـPKK بغرضِ مُطاردتِه والقضاءِ عليه منذ مرحلةِ المجموعةِ إلى حين انقلابِ 12 أيلول العسكريّ، تُشَنُّ بالأغلبِ من قِبَلِ القوى الأمنيةِ التقليدية (منظمة الاستخبارات الوطنية MİT، مديرية الأمن، وقوات الدرَك)، رغمَ وجودِ قوى الغلاديو أيضاً في الأجندة. وأنا على قناعةٍ بأنه، وبسببِ عدمِ إتاحةِ الفرصةِ لتطورِها كثيراً، فإنّ مجموعتَنا لَم تخضعْ للمُلاحقةِ بالدرجةِ التي طالت التنظيماتِ الأخرى، التي كانت أكثر فاعليةً وتأثيراً منا حينذاك. حيث نُظِرَ إلى مجموعتِنا على أنها امتدادٌ لـTHKP-C، فتُرِكَت وشأنَها، وافتُرِضَ أنها ستنحلُّ بمجردِ تسويةِ أمرِ THKP-C. ولَربما أُريدَ للمجموعةِ أنْ تُدرَجَ تحت حاكميةِ بعضِ الأشخاصِ لتَكُونَ في قبضةِ اليد. وعندما أُدرِكَ بعدَ سنةِ 1975 أنها مستقلة، فمن المعلومِ أنه جرى التدخلُ بِيَدِ "ستيركا سور Stêrka Sor" (النجمة الحمراء) عن طريقِKDP، وأنه استُخدِمَ لهذا الغرضِ العنصرُ الذي يسمى "علاء الدين كابان"، والذي قتَلَ حقي قرار في آخرِ مطافِه. ومن المجزومِ به أنّ KDP تحرَّكَ جنباً إلى جنبٍ مع إسرائيل وارتباطاً بحلفِ الناتو منذ البداية، وأنه لقيَ الدعمَ اللازمَ كي يصبحَ تنظيماً مسيطراً على عمومِ كردستان. هذا وبالمستطاعِ تبيانُ أنه كان تحت إشرافِ ومراقبةِ الغلاديو، وأنه سُلِّحَ وحُفِّزَ على التمردِ والانتفاضِ بدعمٍ من الغلاديو التركيِّ أيضاً اعتباراً من سنةِ 1961 بشكلٍ خاص. كما وسيُثبِتُ عددٌ جمٌّ من الوثائقِ أنّ الدعمَ نفسَه استمرَّ بعدَ ذلك عن طريقِ شاهِ إيران. بناءً عليه، فمن عظيمِ الأهميةِ النظرُ إلى حملاتِ بعثرةِ صفوفِ التكتلاتِ اليساريةِ التي في كردستان عن طريقِ KDP، على أنها حصلَت بدعمٍ غيرِ مباشرٍ من الغلاديو.
فاعتقادُ تنظيمِ "ستيركا سور" بمبدأِ "الأجزاء الخمسة" (إذ تدافعُ عن فكرةِ وجودِ جزءٍ خامسٍ صغيرٍ من كردستان ضمن اتحاد الجمهورياتِ السوفييتيةِ الاشتراكية)، إنما هو بمثابةِ برهانٍ قاطعٍ على صحةِ هذا الرأي. أما هذا التدخلُ الذي عُزِّزَ لاحقاً بإرسالِ التحرريين الوطنيين في كردستان "كوك KUK" له، فرامَ إلى تصفيةِ المجموعةِ قبل خروجِها من أنقرة، أو قبل عبورِها إلى شرقيِّ نهرِ الفراتِ في حالِ خروجِها. وإذا كان الطيارُ نجاتي كايا، الذي انخرطَ بين صفوفِ الحركةِ بدءاً من عامِ 1976 عميلاً (لا نستطيعُ الجزمَ بذلك، وينبغي البحثُ فيه)، فربما يَكُونُ تابعاً للغلاديو التركيّ. فإنْ كانت له خطتُه في القضاءِ على المجموعة، فهذا معناه أنه لَم يَجِدْ الفرصةَ المناسبةَ لتطبيقِ خطتِه تلك على أرضِ الواقع. هذا ولَم تَقعْ المجموعةُ في هذا الفخِّ عَمداً. وإنْ كانت عمالةُ كسيرة يلدرم موضوعَ حديثٍ عن طريقِ أبيها علي يلدرم (وهذا أيضاً أمرٌ غيرُ مؤكد، ويتطلبُ البحثَ والتحري)، فبالمستطاعِ التفكيرُ فيها تقليدياً ككادرةٍ ضمن "منظمةِ الاستخباراتِ الوطنية". كما إنّ مسألةَ ديلاور يلدرم أيضاً تستلزمُ البحثَ والتمحيص، كي لا يُرتَكَبَ خطأٌ بحقِّه أيضاً. ويَبدو فيما يَبدو أنّ قيامَ علاء الدين كابان بقتلِ حقي قرار بمؤامرةٍ استفزازيةٍ بعد إيقاعِه في المصيدة في 18 أيار 1977، هو أولُ عمليةٍ نفَّذَها الغلاديو التركيُّ وغلاديو الناتو ضد PKK وهو لا يزالُ في مرحلةِ المجموعة. وبالإمكانِ التنويهُ إلى أنّ المجموعةَ أُدرِجَت في إطارِ حملةِ تصفيةٍ جادةٍ لأولِ مرةٍ في 1977. لذا، كان واردِاً أنْ تتعرضَ المجموعةُ إلى تصفيةٍ لا يُستَهانُ بها، هذا إنْ لَم تتشتتْ كلياً؛ في حالِ لَم ننشرْ مؤلَّفَ "برنامج الحزب"، ولَم نُعطِ الجوابِ على ذلك بالإعلانِ عن PKK، وفي حالِ لَم يُعاقَب علاء الدين كابان بالموت. هذا وبالوِسعِ تقييمُ مجزرةِ مرعش المُرتَكَبةِ في أواخرِ 1978 على أنها ثاني أكبرِ عمليةٍ نفّذَها الغلاديو ضد المجموعةِ التي تتنامى بوتيرةٍ عُليا في تلك المنطقة. ذلك أنّ مرعش تُعَدُّ مركزاً تُحبَكُ فيه خططُ تصفيةِ الكردِ منذ القديمِ الغابر، سواء بالأساليبِ المباشرةِ أو المُلتَوية. والأمرُ عينُه يَسري على الكردِ الذين يقطنون غربي نهرِ الفرات. ففي "خطةِ إصلاحِ الشرق" لعامِ 1925، يُرتأى عدمُ إبقاءِ كرديٍّ واحدٍ يتحدثُ الكرديةَ في مناطقِ غربي الفرات، بل القضاءُ عليهم جميعاً بشتى الأساليبِ يتصدرُها الصهرُ والإذابة. وعليه، يتوجبُ التفكيرُ في مجزرةِ مرعش ضمن إطارِ هذه الخطةِ التي لا تنفكُّ قائمةً في الأجندة. كما ويتعينُ النظرُ وفق هذا السياقِ إلى عملياتِ الغلاديو وحملاتِ الصهرِ المُطَبَّقةِ بنحوٍ نظاميٍّ بحقِّ الكردِ القاطنين في مناطقِ ملاطية وأديامان وألازغ وديرسم وسيواس وأرزنجان وعنتاب بشكلٍ خاص.
وباقتضاب، ثمة تحكُّمٌ وقمعٌ متكاثفٌ طردياً، سلَّطَه الغلاديو على المعارضةِ اليساريةِ والكرديةِ المتناميةِ بعد عامِ 1960. حالاتُ التحكُّمِ والقمعِ والعِراكِ والاغتيالاتِ المزدادةِ كثافةً أكثر فأكثر مع انقلابِ 12 آذار 1971، إنما هي ممنهَجةٌ ومرتبطةٌ بالتنظيم. فالمجموعاتُ اليساريةُ الصغيرةُ الزائفة، التركيةُ منها والكردية، تُستَثمَرُ في إطارِ تدويرِ عجلاتِ حروبِ الغلاديو، بقدرِ ما عليه المجموعاتُ الإسلاميةُ والقوميةُ المتطرفةُ أيضاً. كما إنّ حضورَ الغلاديو داخل تركيا اعتباراً من الفترةِ ما بين 1955 1960، قد أبدى نفوذَه إلى أبعدِ الحدودِ في جميعِ الكياناتِ الحكومية، وفي الاشتباكاتِ المندلعةِ بين المجموعاتِ اليمينيةِ واليسارية، وفي التخطيطِ للانقلاباتِ وتنفيذِها، وفي ارتكابِ الاغتيالاتِ والمجازرِ الهامة. هكذا، تمَّ تحجيمُ الدورِ المستقلِّ للمنظماتِ الأمنيةِ والاستخباراتيةِ الأخرى باضطراد، بل وجرى الاستيلاءُ وإحكامُ القبضةِ عليها. هذا وتمَّ تناوُلُ جميعِ النشاطاتِ الاقتصاديةِ والاجتماعيةِ والثقافيةِ والدبلوماسيةِ والشؤونِ المعنيةِ بالسلطة، وتأطيرُها بأمنِ الدولة، وتقييمُها ضمن نطاقِ استراتيجيةِ الغلاديو وتكتيكاتِها، في سعيٍ إلى توجيهِها انطلاقاً من ذلك. وسُيِّرَت الحملاتُ التمشيطيةُ المزدادةُ كثافةً بنحوٍ تصاعديّ، لتُطَبَّقَ على الحركاتِ اليساريةِ والشيوعيةِ أولاً، ثم على الحركةِ الكرديةِ الثوريةِ والاشتراكيةِ المتناميةِ خارجَ حاكميتِها. ففترةُ ما بين 1970 1980 شهدَت أشدَّ التمشيطاتِ كثافة، واختُتِمَت بانقلابِ 12 أيلول العسكريِّ وبإلحاقِ ضربةٍ استراتيجيةٍ باليسار. أما الحركةُ الثوريةُ الاشتراكيةُ الكردية، فأفرَغَت هذه التمشيطاتِ المُوَجَّهةِ إليها أيضاً من محتواها، بتخندقِها في الشرقِ الأوسطِ بعد سنةِ 1980.
b) تبدأُ المرحلةُ الثانيةُ من حروبِ الغلاديو مع انقلابِ 12 أيلول العسكريِّ في 1980، لتستمرَّ حتى عامِ 1985. ومعلومةٌ ماهيةُ الأهدافِ المُرتَقَبةِ والنتائجِ قصيرةِ المدى الناجمةِ عن هذا الانقلابِ الذي نالَ تقديرَ السفارةِ الأمريكية، حيث قالت بحقِّ مُدَبِّريه "لقد أحسَنَ أطفالُنا عملَهم!". فالمُبتَغى من الانقلابِ هو كتمُ أصواتِ كافةِ الحركاتِ المعارِضةِ وبُؤَرِ الشكاوى الداخليةِ تتصدرُها القوى اليسارية، والقضاءُ عليها؛ وتأسيسُ نظامٍ اجتماعيٍّ وسياسيٍّ وثقافيٍّ فاشيٍّ جديدٍ عوضاً عنها، بحيث يَكُونُ خاضعاً لهيمنةِ رأسِ المالِ الماليِّ العالميِّ بِحُكمِ دستورِ النظام، ويرتكزُ إلى أيديولوجيا الإسلامِ التركيِّ عن طريقِ اقتصادٍ معتمدٍ على التصدير (الانفتاح على الاستغلالِ الخارجيّ). أي أنه ليس نظاماً مُشاداً بتوجيهٍ من قوى الأمنِ الداخليِّ التركيّ، مثلما يُرادُ عكسُه أو التصويرُ له. بل هو ثمرةٌ طبيعيةٌ لحروبِ الغلاديو المتكاثفةِ بعد عامِ 1960، والمُصَعَّدةِ أكثر فأكثر مع تَذكِرةِ انقلابِ 12 آذار. أي أنّ المُعَيِّنَ هنا هو مركزُ الناتو والغلاديو، وامتداداتُه في تركيا. أما دورُ قوى الأمنِ الداخليِّ التركيّ، فلا يتعدى نطاقَ الدعمِ والمساندة.
قُيِّمَت النشاطاتُ التي نفَّذَها الغلاديو ضد PKK خلال هذه الفترةِ ضمن نطاقِ الهجماتِ التي استَهدفَت اليسارَ عموماً. حيث ضغطَ على PKK بنفسِ أساليبِ القمعِ والتصفيةِ التي يتَّبِعُها إزاء أيِّ تنظيمٍ يساريٍّ آخر. إلا إنّ العناصرَ المدسوسةَ في PKK والقوى التي تدعمُها في الخفاء، عجزوا عن إحرازِ النجاحِ المرتقب، بسببِ طرازِ حركةِ قيادةِ PKK. فعدمُ عِلمِ أيِّ أحدٍ بذهابي خارجَ الوطنِ فيما عدا مُرشدي على الطريق، قد لعبَ دوراً هاماً في ذلك. لذا، يجب التوقفُ عند إصرارِ نجاتي كايا بعنادٍ على اللقاءِ بي آنذاك، وعند حالتِه النفسيةِ المتوترةِ جداً. فضلاً عن ذلك، فإنّ المواقفَ المشبوهةَ التي سلكَها بعضُ الأشخاصِ من بين أعضاءِ Dev-Yol، وإفشالُ بعضِ الفعالياتِ ارتباطاً بذلك أثناء انشغالِنا بنشاطاتِ "جبهة المقاومة الموحدة ضد الفاشية"، والتي عمِلنا على تشكيلِها في عامِ 1982 مع بعضِ القوى اليساريةِ وعلى رأسِها Dev-Yol؛ ربما تَكُونُ على صِلَةٍ بالمندسين والقوى التصفوية. فالممارساتُ التصفويةُ لكلٍّ من تانير أكجام الذي عَوَّلَ على رئاسةِ Dev-Yol، والعنصرِ المسمى "صاري جمال"، إنما تقتضي الإمعانَ والنبشَ فيها بأهميةٍ ودقة؛ ليس على صعيدِ تصفيةِ Dev-Yol فحسب، بل وضمن إطارِ التصفياتِ المستهدِفةِ لـPKK أيضاً. فمحاولاتُ الاغتيالِ والتصفيةِ التي استهدَفَت "منظمةَ أصالا ASALA" وزعيمَها أكوب أكوبيان (والتي كانت موفَّقة)، قد جُرِّبَت مثيلاتُها ضد PKK أيضاً، ولكنها لَم تُوَفَّق. هذا وقد استُخدِمَت العناصرُ المتقمصةُ للقناعِ اليساريِّ في كِلتا محاولاتِ التصفيةِ والاغتيال. لَم تلعبْ حملاتُ القمعِ المجرَّدِ والتعذيبِ الفظِّ فقط دورَها في تصفيةِ اليسارِ بعدَ انقلابِ 12 أيلول الفاشيّ، بل وكان للمندسين في بنى التنظيماتِ أيضاً نصيبُها الوافرُ في تلك التصفية (موضوعُ الحديثِ هو كلُّ التنظيمات، بما فيها PKK). فالمماطلةُ والتأخرُ في تنفيذِ حملةِ 15 آب، وشروعُ المحامي حسين يلدرم ببعضِ المحاولاتِ فورَ مجيئِه إلى ساحةِ القيادةِ بعد 1982 مباشرةً، والحركاتُ المشبوهةُ المرتبطةُ ببعضِ التنظيماتِ ذاتِ الأصولِ الشرقِ أوسطية، وموقفُ KDP منا آنذاك؛ كلُّ ذلك يقتضي التوقفَ عنده والتركيزَ عليه مجدَّداً ضمن هذا الإطار.
كانت العلاقاتُ مع KDP حرجة. حيث من الواردِ أنْ تَكُونَ هناك رغبةٌ في اتِّباعِه أساليب إزاء PKK، شبيهةٌ بموقفِه من الدكتور شفان (أي سعيد قرمزي توبراق، رئيس فرع KDP في تركيا)، والذي انتهى إلى قتلِ الدكتور شفان وأهمِّ مساعدَين ليه، وتشتيتِ صفوفِ أعضاءِ المجموعةِ الآخرين. فقد كان ممثلو KDP ضد قيامِ الكريلا بالحملات، فانشغلَت بزرعِ العراقيلِ على دربِهم واحدةً تلو الأخرى. وتسبَّبَت في استشهادِ عددٍ جمٍّ من رفاقِنا، وخاصةً أثناء عبورِ الحدودِ لأجلِ دخولِ الوطنِ ثانيةً. ثم اكتسبَت الاشتباكاتُ وعملياتُ القتلِ طابعَاً متواصلاً. كانت تساورني الشكوك والمخاوفُ بأنّ مطالبةَ مسعود البارزاني إيانا علناً بالتراجعِ عن حملةِ 15 آب أثناء لقاءٍ له معي في الشام سنةَ 1985، ليست مَطلباً فرضَته قوى الأمنِ الداخليِّ التركيِّ وحسب، بل كانت مبادرةً على صِلةٍ بإسرائيل وغلاديو الناتو أيضاً. بالتالي، من عظيمِ الأهميةِ عدمُ النظرِ إلى علاقاتِنا وصِداماتِنا مع KDP على أنها أحداثٌ مُوَجَّهةٌ من طرفِ قوى الأمنِ الداخليِّ التركيِّ وحسب، بل وتقييمُها أيضاً على صعيدِ سياساتِ إسرائيل وغلاديو الناتو. إنه موضوعٌ يستلزمُ البحثَ الشاملَ بصددِه. لقد كانت حملةُ 15 آب خارجَ دائرةِ المعلوماتِ الأكيدةِ للنظام، بالرغمِ من تخمينِه سلفاً لمجراها وللعامِ الأولِ الذي تلاها. بالتالي، لَم يُجزَمْ قطعياً بالمسارِ الذي ستسلكُه، ولَم تُخَمَّنْ وِجهتُه وآفاقُه بتاتاً (الأمرُ كذلك بالنسبةِ لنا أيضاً). ما لا جدال فيه هو أنها فتحَت الطريقَ أمام مرحلةٍ جديدة. ولكني على قناعةٍ بأنّ نتائجَها كانت محطَّ دراسةِ قوى الأمنِ الداخليِّ التركيِّ وشبكةِ غلاديو وحِلفِ الناتو على مدارِ سنةِ 1985 بأقلِّ تقدير، وخاصةً فيما يتعلقُ ببصماتِها التي تركَتها على النظامِ القائم.
c) ثالثُ وأهمُّ مرحلةٍ في حروبِ الغلاديو، هي المرحلةُ المبتدئةُ من 1985 وحتى قتلِ تورغوت أوزال في 1993. ففي عامِ 1985 أُدرِجَت البندُ الخامسُ من القانونِ التأسيسيِّ للناتو حيزَ التنفيذ، والذي ينصُّ على أنّ "أيّ اعتداءٍ على بلدٍ عضوٍ في الناتو يُعَدُّ اعتداءً على كلِّ البلدانِ الأعضاء". لقد نُفِّذَ التطبيقُ ضمن إطارِ الغلاديو. ونظراً لكونِ مركزِ التنفيذِ كائناً في ألمانيا، فقد كانت الدولةُ الألمانيةُ أولَ مَن قرَّرَ إعلانَ PKK "تنظيماً إرهابياً". قامَ كلٌّ من ألمانيا، ومركزِ شبكةِ غلاديو التابعةِ للناتو وامتداداتِها في تركيا، وقوى الأمنِ الداخليِّ التركيِّ باحتواءِ KDP أيضاً فيما بينها؛ للشروعِ جميعاً في شنِّ هجومٍ مضادٍّ كثيفٍ علينا ضمن إطارِ الخطةِ المرسومة. فاللقاءاتُ المُبرَمةُ معي، والتي استمرّت عن طريقِ KDP والبارزانيين بوجهٍ خاصّ، كانت مطالبُها الأساسيةُ تتمحورُ حول قيامِنا بإنهاءِ الحملةِ تلقائياً. لقد كانت تلك المطالبُ أو المقترحاتُ تعبيراً عن حالةِ استحداثٍ للقرارِ الذي اتَّخَذَته الهيمنةُ الرأسماليةُ بشأنِ القضيةِ الكرديةِ في مؤتمرِ القاهرةِ المنعقدِ في 1921. فكما هو معلوم، كان ذلك القرارُ يرتأي تركَ القضيةِ الكرديةِ في حالةٍ دائمةٍ من العقم، والحفاظَ على عليها منتعشةً للإبقاءِ على الشرقِ الأوسطِ تحت ظلِّ الهيمنةِ الدائمة. أما الدورُ الذي أُنيطَ به KDP والبارزانيون، فهو مرتبطٌ بإدراجِ هذه الرؤيةِ المُسبَقةِ حيزَ الواقعِ في كردستان. ونظراً لكونِ تلك الرؤيةِ المستقبليةِ ترومُ إلى تحقيقِ وجودِ إسرائيل وتوطيدِه، فسيجري التدخلُ في شؤونِ جميعِ الكياناتِ الموجودةِ في كردستان، والتي لا تتوافقُ ومحورَ إسرائيل الصغرى البِدئية، وسيتمُّ شلُّ تأثيرِها. بالتالي، يُعدُّ أمراً مفهوماً قيامُ كلٍّ من إسرائيل وتركيا وقوى KDP بِمَعِيّةِ الناتو وشبكةِ غلاديو، بشنِّ الهجومِ على PKK بعد عامِ 1985، أي عقبَ تجربةِ الحربِ الشعبيةِ الثورية. حيث يتسترُ وراءه قرارٌ تاريخيٌّ ومصالحٌ حياتيةٌ مرحليةٌ راهنة.
لدى الإدراكِ أننا لن نتخلى عن الحملةِ رغمَ البرقياتِ المنقولةِ إلينا عن طريقِ مسعود البارزاني، أُقحِمَ تنظيما JİTEM و"حزب الله" في جدولِ الأعمالِ مع حلولِ عامِ 1986. كانت JİTEM تؤدي دورَ "المنظمةِ الخاصة " التي كانت مُحَصَّنةً بجميعِ الصلاحياتِ والامتيازاتِ في عهدِها. ومعلومٌ أنّ تلك "المنظمةَ الخاصةَ" المتأسسةَ في 1914، هي إحدى أولى التنظيماتِ الفاشيةِ لعبَت دوراً هاماً في إبادةِ الأرمنِ أولاً، ثم حُصِّنَت بشتى الصلاحياتِ التي تُخَوِّلُها لسلوكِ شتى أنواعِ الأساليبِ وعلى رأسِها ارتكابُ المجازر بغيةَ خلقِ دولةٍ قوميةٍ تركيةٍ عنصريةٍ نمطية. كما إنّ فرعاً إسلامياً سَلَفياً اتَّخَذَ كلٌّ من سعيد النورسي ومحمد عاكف أيضاً مكانَهما فيه، قد أُدرِجَ في الحراكِ إلى جانبِ ذلك الكيان. هذا وقد استُحدِثَت ممارساتُ نموذجِ الإبادةِ الجماعيةِ هذا في 1986 على طرازِ JİTEM وحزب الله (حزب الله الذي في تركيا وكردستان)، وزُوِّدَ كِلا التنظيمَين بالصلاحياتِ والمهامِّ المندرجةِ في نفسِ الإطار. وهكذا، شُكِّلَت تنسيقيةٌ بين KDP وكلٍّ من أمريكا وقوى الناتو وشبكةِ غلاديو وقوى الأمنِ الداخليِّ التركيّ. لقد تطلعَ حزبُ الله إلى الاستفادةِ من السياساتِ الإسلامويةِ لكلٍّ من إيران والمملكةِ العربيةِ السعوديةِ على حدٍّ سواء.
تحققَت عملياتُ التسللِ إلى صفوفِ PKK عن طريقِ KDP في هذه الفترة. حيث كان سامي عبد الرحمن رئيسَ التنظيمِ المسمى بـ"القيادة المؤقتة"، والتي أخذَت على عاتقِها مَهَمَّةَ إعادةِ تنظيمِ KDP. وقد قامَ سامي عبد الرحمن أساساً بتنفيذِ مبادراتِ التصفيةِ العمليةِ وتسريبِ المندسين إلى صفوفِ PKK. وأهمُّ وسيلةٍ استخدمَها لمآربِه هذه، هو التنظيمُ المتظاهرُ بكردايتيةٍ زائفة، والذي اسمُه كوك KUK (كوك = التحرريون الوطنيون في كردستان. وكنا حينها نطلقُ على أنفسِنا اسمَ "التحرريين الوطنيين". ما هو قائمٌ هنا أيضاً، هو استخدامُ كلٍّ تنظيمٍ عميلٍ الاسمَ الأصلَ للتنظيمِ أو خاصيةً من خاصياتِه). وهكذا قضى عددٌ كبيرٌ من أعضاءِ PKK ومن الوطنيين الكرد نحبَهم على يدِ هذا التنظيم. كما إنّ الدورَ المُناطَ بـKUK، كان عرقلةَ عبورِ PKK إلى شرقيِّ خطِّ بينغول ماردين، مهما كلَّفَ ذلك. ومثلما أَقَرَّ مؤسِّسُ JİTEM العقيد عارف دوغان بذاتِ نفسِه، يتبينُ أنه كُلِّفَ فريقٌ من عشرةِ آلاف شخصٍ آنذاك للقيامِ بالإبادةِ المسلحة. النقطةُ البالغةُ الأهميةِ هنا، هي كونُ هذه القوةِ فوقَ القانون، وتستفردُ بصلاحياتِ ارتكابِ كلِّ أشكالِ الجناياتِ دون أيِّ مساءلةٍ أو تَحَرٍّ. ومن هنا تنتهلُ ماهيةَ كونِها تنظيماً للإبادةِ الجماعية. كما واعتُرِفَ بنفسِ الصلاحياتِ لـ"حزب الله في كردستان"، والذي يُطلقُ الشعبُ عليه تسميةَ "حزب الكونترا". وعليه، فجناياتُ "الفاعلِ المجهولِ" التي تتجاوزُ العشرَ آلافِ جريمة، قد ارتُكِبَت على خلفيةِ تلك الصلاحياتِ الممنوحةِ لهذَين التنظيمَين الشقيقَين، والتي هي فوقَ القانون، بل وفوق الدستورِ أيضاً. أما القضاءُ على الفنان صفقان (جلال أرجان) ومجموعتِه في مستهلِّ هذه المرحلة (1985)، مقتلُ الرفيقِ معصوم قورقماز (1986)، فعالياتُ فرضِ الاستسلامِ على الأنصارِ عن طريقِ صلاح الدين جليك، والأزمةُ البارزةُ في مؤتمرِ PKK الثالثِ المنعقدِ في 1986؛ كلُّ ذلك كان أحداثاً هامةً على علاقةٍ مباشرةٍ أو ملتويةٍ مع JİTEM. أضِفْ إلى ذلك أنّ حادثةَ مقتلِ الرفيقِ إبراهيم (دارار أكاي) العزيزِ والغالي جداً على قلبي سنةَ 1985، في قريةِ شاخ التابعة لمنطقةِ سلوبي، والذي كان من مدينةِ نصيبين؛ قد حصلَت على يدِ JİTEM، حسبَ اعترافِ عارف دوغان بذاتِ نفسِه. أما قانون حالةِ الطوارئ، وصلاحياتُ JİTEM وحزب الله، فقد انعكسَت على PKK بدرجةٍ ملحوظةٍ في 1986، وأسفرَت عن أزمةٍ نسبيةٍ فيه. لذا، بقيَ المؤتمرُ الثالثُ قاصراً عن أنْ يَكُونَ حَلاّلاً، مما أدى إلى تغييرٍ واسعٍ في الهيكليةِ القيادية.
ولأجلِ إفراغِ تلك الانعكاساتِ والأصداءِ السلبيةِ من محتواها عن طريقِ الشرقِ الأوسط، تكفَّلتُ بنفسي بدءاً من عامِ 1987 وحتى حادثةِ قتلِ تورغوت أوزال، بتدريبِ وتعبئةِ ما يقاربُ ألفَ مرشحاً للكريلا كلَّ عام، وبتجهيزِهم وإيصالِهم إلى أماكنِ مقراتِ الحركة. كما وقدمتُ الدعمَ قبلَ ذلك وبعدَه أيضاً إلى قوةِ الأنصارِ التي تناهزُ الآلاف، من خلالِ إرسالِ وسائلِ الاتصالِ والمال. لكنّ أكبرَ مساهمةٍ مني كنتُ قد قدمتُها بذاتِ نفسي خلال تلك السنواتِ التي شهدَت التصفيةَ والمجازر. وأكثرُ السلبياتِ لفتاً للأنظارِ من بين نشاطاتِ العودةِ إلى الوطن، والتي سرَّعنا من وتيرتِها مجدَّداً اعتباراً من 1987؛ هو أنّ جميل إيشيك المعروفِ بلقبِ هوكر، والذي كان واحداً من زعماءِ المجموعةِ التي كنا سنطلقُ عليها لاحقاً اسمَ "العصابة الرباعية"، قامَ بترتيبِ عملياتٍ عسكريةٍ بقرارٍ منه وحدَه فورَ عبورِه الحدود، وذلك بحجةِ محاربةِ حُماةِ القرى، وتسبُّبُه بقتلِ العشراتِ من الأشخاصِ في تلك العمليات، بما فيهم الأطفالُ والنساء. ومن خلالِ هذه العملياتِ أُفرِغَ النظامُ التكتيكيُّ لـPKK من فحواه، بعدَما قمتُ بذاتِ نفسي بإعدادِه وفرزِه بأفضلِ صورة. وهكذا، لَم يُوَفَّقْ PKK بأيِّ حالٍ من الأحوالِ في تطبيقِ تكتيكاتِه الذاتيةِ على أرضِ الواقع.
ونظراً لكونِ رفيقِنا معصوم قورقماز أولَ مَن انتبهَ لهذا الخطرِ من بين قياديينا، وأحدَ مَن عملَ على اتخاذِ الاحتياطاتِ اللازمةِ إزاءه؛ فقد اختِيرَ دوناً عن سواه ليُقضى على حياتِه ويُقتَل. كما إنّ قتلَ دارار أيضاً كان بموجبِ ذلك. أما قتلُ الفنان صفقان ورفاقِه، فكان هو أيضاً استمراراً لسلسلةِ المؤامراتِ الشبيهة. إنّ شكلَ وفاةِ معصوم، والظروفَ التي قضى فيها نحبَه، تدعونا إلى التفكيرِ ملياً بدورِ الشخصياتِ المندسةِ من الخارجِ في ارتكابِ هذه المجزرة. فوضعُ شمدين صاكك، ووضعُ الشابِّ المُلَقَّبِ بفرهاد، والذي كان من مدينةِ أروه، والذي انتحرَ لاحقاً في منطقةِ البقاع شتاءَ عامِ 1987؛ إنما يحثنا على التفكيرِ باحتمالِ قتلِ معصوم بحادثةِ اغتيالٍ من الداخل كاحتمالٍ قويّ. أما قيامُ جميل إيشيك بدءاً من سنةِ 1987 بانتهازِ فرصةِ التغييرِ في الهيكليةِ القياديةِ ليُحكِمَ قبضتَه على زمامِ المبادرةِ بين صفوفِ الكريلا، فقد كلَّفَ PKK ثمناً باهظاً للغاية. أما أفدحُ السلبيات، فكان إفراغَ الحربِ الأنصاريةِ من مضمونِها، بعدَما خططَ لها PKK بجهودٍ مضنيةٍ وعظيمة، وأَكمَلَ النسبةَ الكبرى من تجهيزاتِها. فالأعضاءُ الآخرون من العصابةِ الرباعية، أي: شمدين صاكك وشاهين باليج وخليل كايا (كور جمال)، قد حذَوا حذوَ هوكر، فاحتلوا أماكنَهم في صدارةِ الأسماءِ البارزةِ والمؤثرةِ في إفراغِ النظامِ الأنصاريِّ من محتواه. أما كونُ غالبيةِ تلك الأسماءِ على علاقةٍ مع KDP وأولئك القائلين بالأجزاءِ الخمسة (لأصحابِ الأجزاءِ الخمسةِ ولتنظيمِ كوك أيضاً روابطُهما مع KDP، وهما على علاقةٍ مع "القيادةِ المؤقتةِ" بوجهٍ خاصّ)، فهو مؤشرٌ إلى استحالةِ التغاضي عن وجودِ العناصرِ المندسة. في حين إنّ اللجوءَ في تلك الأيامِ إلى قتلِ ما يقاربُ المائةَ من أعزِّ وأجدرِ أعضاءِ الأنصارِ المرشحين للقيادةِ ممن كنتُ أعرفُهم شخصياً، بعدَ الزعمِ بأنهم "قضوا نحبَهم في الاشتباك"؛ كان دليلاً صارخاً على مدى ضخامةِ المؤامرة.
لعبةُ المؤامرةِ ساطعة جداً، ولها ركيزتُها التاريخية. حيث طُبِّقَت بوفرةٍ في عهدِ "الاتحاد والترقي"، وجُرِّبَت بكثافةٍ في مبادراتِ سحقِ التمرداتِ الكرديةِ والقضاءِ على الحزبِ الشيوعيّ. هذه هي خصائصُها الرئيسية: أولاً؛ تأسيسُ الوحداتِ الجنائيةِ وتفعيلُها تحت قناعِ الأنصارِ أو المتمردين، بغيةَ بترِ أواصرِ القوى الثوريةِ مع الشعب، أو تأليبِ الشعبِ على تلك القوى. وقد أحرزَت العصابةُ الرباعيةُ وأمثالُها نجاحاً ملحوظاً في هذا الموضوع. إذ نفَّذوا العديدَ من العملياتِ التآمريةِ ضد الشعب، وبالأخصِّ ضد العشائرِ والعوائلِ التي فكّروا في تأليبِها علينا. لذا، فعملياتُ البحثِ والتنقيبِ التي ستُسَيَّرُ بشأنِ تلك العملياتِ التآمرية، تتسمُ بأهميةٍ بالغة. والقيامُ بهكذا بحوثٍ سيَنُمُّ عن نتائج لا يُستَهانُ بشأنِها أبداً. ثاني أسلوبٍ تآمريٍّ هو استهدافُ وقتلُ الكوادرِ المرشحين ليَكُونوا قادةَ أنصارٍ أو زعماءَ تمرد. وقد حققوا نجاحاً بارزاً في هذا السياقِ أيضاً. فموتُ، أو قتلُ العديدِ من الرفاقِ الواعدين بأداءِ دورٍ قياديّ، دونما سبب؛ إنما يشيرُ إلى أبعادِ المؤامرةِ وآفاقِها. هذا وقد اتُّبِعَت أساليبٌ مشابهةٌ في القضاءِ على العصياناتِ الكرديةِ وعلى القوادِ اليساريين في تركيا، وتحققَ إمحاءُ الكوادرِ القياديين بالمؤامراتِ التي كانت آخِرَ حلقةٍ فيها تلك المؤامرةُ الكبرى المُدَبَّرةُ ضدي في 1990. فتلك المؤامرةُ التي كان كلٌّ من شاهين باليج ومحمد شنر وجانكير حازر (صاري باران) يُشَكِّلون الرأسَ المدبرَ والعقلَ المُنَفِّذَ فيها، قد أُسدِلَ الستارُ عنها وأُفرِغَت من محتواها باستشهادِ الرفيق حسن بيندال. لكنهم نجحوا في مجالَين هامَّين مختلفَين. إذ وُفِّقوا في اقتطاعِ الكتلةِ الأساسيةِ من الشعبِ عن PKK، وإقحامِها في سياقِ التحولِ إلى حماةِ قرى. كما قضوا على المرشحين للقيادة، تاركين الأنصارَ بذلك بلا قائد، ومُحَرِّفين إياهم عن نهجِ التكتيكِ الأساسيّ، ومُسقِطين إياهم إلى مستوى مجموعاتٍ من المتسكعين العاطلين عن العمل. لذا، وبالرغمِ من عدمِ تَمَكُّنِ الغلاديو الداخليةِ والخارجيةِ في هذه الفترةِ من سحقِ PKK أو القضاءِ على تجربةِ الحربِ الشعبيةِ الثوريةِ التي رادَها، إلا إنها استطاعَت زرعَ العراقيلِ كي لا تُطَبَّقَ حربُ الأنصارِ كما هو مرسومٌ لها بالتأسيسِ على تكتيكاتِها الذاتية.
أحدُ أهمِّ مواضيعِ الفشلِ الأخرى التي لَم يستطعْ مسؤولو PKK فهمَها كثيراً، هو إدراكُ الأسبابِ المتواريةِ وراء العجزِ في تطبيقِ المخططِ التكتيكيِّ بنجاحٍ موفقٍ على أرضِ الواقع، ومعرفةُ الدورِ الذي لعبَه غلاديو وJİTEM في ذلك. فنجاحُ كِلا الطرفَين بقيَ منتصفاً. أما ما تمكنتُ أنا من فعلِه في هذه الفترة، فاقتصرَ على تأمينِ سيرورةِ الحربِ الثورية، وسدُّ الطريقِ أمام هزيمتِها. في حين، لو كانت القيادةُ الميدانيةُ داخل الوطنِ بذلَت جهوداً مبدئيةً بالمستوى الاعتياديّ، لَكان بالإمكانِ إحرازُ نجاحٍ على مستوياتٍ متقدمة. ومع ذلك، فإفراغُ مؤامرةِ عام 1990، والنتائجُ التي أفرزَتها حربُ الخليج دليلٌ على استمرارِ صعودِ مستوى التأثيرِ الموحدِ لحركةِ PKK على وجهِ العموم. ذلك أنه، وانطلاقاً من التقييمِ الصحيحِ لتوازناتِ المنطقةِ التي تتميزُ بمعاني تاريخيةٍ واجتماعيةٍ كبرى، فإنّ تطبيقاً بالمستوى الاعتياديِّ للحربِ الثورية، قد أفضى إلى تحقيقِ نتائج هامةٍ ومظفّرة. ومنه، فلو أنّ القيادةَ التكتيكيةَ كانت نظرَت بعينٍ صائبةٍ إلى الفترةِ ما بين عامَي 1990 1993، واستمرَّت في الارتقاءِ بمستوى الأنصارِ كماً ونوعاً؛ ونفذَت المخططَ التكتيكيَّ بشكلٍ صحيحٍ في الممارسةِ العملية؛ لَكان مجرى التاريخِ سيصبحُ مختلفاً جداً عما عليه، ولَكان بالمقدورِ التوجهُ صوبَ حلٍّ تاريخيٍّ في مستهلِّ عامِ 1993. فقد كان نظامُ الغلاديو على عتبةِ الانهيار.
ولأنّ تورغوت أوزال كان منتبهاً إلى ذلك، فقد وجدَ الوفاقَ هو الأنسب. إذ كان قد اقتنعَ حينها أنه، وبدلاً من خُسرانِ كردستان كلياً، فإنّ الإبقاءَ عليها منضويةً تحت شمسيةِ دولةٍ مشتركةٍ ترتبطُ بها بروابط فيدراليةٍ أمرٌ عظيمُ الأهمية، ويُعَدُّ السبيلَ المؤديةَ إلى عيشِ الشعوبِ معاً حياةً وطيدةً مفعمةٌ بالأخوّة. ونظراً لكونِ الغلاديو الداخليِّ والخارجيِّ يَعتَبِران هذا الموقفَ نهايتَهما، فقد وَجَدا أنّ الطريقَ للنَّفاذِ من ذلك، وسبيلَ الخلاصِ يتمثلُ في تصفيةِ تورغوت أوزال. والأهمُّ من هذا وذاك، أنّ هذا الأخيرَ كان يرتأي إعادةَ ربطِ الموصل وكركوك بالجمهوريةِ التركيةِ بروابط فيدراليةٍ بموجبِ الميثاقِ الملليّ. وكان ضمن هذا السياقِ على علاقةٍ كثيبةٍ مع جلال الطالباني. وكان قد اقترحَ محاورتي لهذا الغرض. وبالفعل، كان ثمة خطوةً تاريخيةً تُرتأى مُسبَقاً. والكلُّ على علمٍ بأنّ القائدَ العامَّ لقواتِ الدَّرَكِ "أشرف البدليسيّ" بذلَ جهوداً تنصبُّ في بوتقةِ هذا المخططِ بمَعِيّةِ تورغوت أوزال. إلا إنّ أمريكا وإسرائيل اللتَين كانت لهما خططُهما المغايرةُ بشأنِ العراق، ونظراً لاعتبارِهما مواقفَ تورغوت أوزال وأشرف البدليسيِّ شديدةَ الخطورةِ عليهما؛ فقد قامتا بتنفيذِ الانقلابِ الذي مهَّدَ السبيلَ لنقلِ كلٍّ من ديميريل وتشيللر إلى عرشِ السلطة (وإلى جانبِهما أردال إينونو).
سنةُ 1993 سنةٌ طارئة. فالاغتيالاتُ الكبرى المبتدئةُ مع جنايةِ أوغور مومجو بدءاً من الشهورِ الأولى من ذاك العام (قتلُ عدنان قهوَجي وتورغوت أوزال وأشرف البدليسيّ، مجزرةُ فندق ماديماك في منطقةِ سيواس، جنايةُ بختيار آيدن ، مقتلُ ثلاثةٍ وثلاثين جندياً أثناء نقلِهم بوسائط مدنية، وقتلُ عددٍ كبيرٍ من المسؤولين العسكريين والمدنيين)؛ ينبغي التفكيرُ بها ضمن إطارِ ذلك الانقلاب. كان جناحٌ قويٌّ ونافذٌ للغاية ضمن أروقةِ الدولة، قد استعدَّ في هذه الفترةِ للحلِّ السلميِّ بشأنِ القضيةِ الكردية. وكان تداوُلُ عفوٍ سياسيٍّ موضوعاً على طاولةِ "مجلس الأمن القوميّ"، في اجتماعِه المنعقدِ بتاريخِ 25 أيار. لقد كان هذا انقلاباً مؤثراً نَمَّ عن نتائج وخيمةِ العاقبةِ بما يُعادلُ انقلابَ 12 أيلول العسكريَّ بأقلِّ تقدير. وبالأصل، لَم يَكُ هناك شعورٌ بالحاجةِ إلى انقلابٍ عسكريٍّ آخر، نظراً لحضورِ شبكةِ غلاديو المُحَصَّنةِ بصلاحياتٍ فوق القانونِ والدستور. لكنّ هدفَ الانقلابِ العسكريِّ هذه المرة، كان قوى الدولةِ المواليةَ للحلِّ السلميّ. بناءً عليه، كانت قوى الدولةِ تلك هي مَن قُضِيَ عليه بالانقلابِ الممتدِّ على سياقٍ زمنيٍّ مديد. لذا، يتوجبُ بكلِّ تأكيد تسليطُ النورِ على هذا الانقلابِ الذي لا ينفكُّ يحفُّه الظلام. ذلك أنه ليس يسيراً شقُّ الطريقِ على دربِ السلامِ والحلِّ السياسيّ، ما لَم يُكشَفْ النقابُ عن امتداداتِ هؤلاء الانقلابيين، سواء داخل PKK أم ضمن الدولة.
ينبغي ملاحظةُ أنّ للغلاديو نصيبُه المعَيِّنُ في حملاتِ التصفيةِ الكثيفةِ الحاصلةِ في ولاياتِ ديرسم وآمد وغرزان وتولهلدان مع نهايةِ هذه المرحلة، أو في أواخرِ عامِ 1990. فمحاولاتُ التصفيةِ تلك المُنَفَّذَةُ بِمَعيّةِ KDP على كِلا جانبَي الشريطِ الحدوديِّ مع العراق، من الواردِ أنْ تَكُونَ قد حصلَت بِيَدِ العنصرَين شمدين صاكك وسعيد جوروك كايا في ولايتَي غرزان وآمد، وبِيَدِ العنصرِ خضر صاري كايا وأمثالِه في ولايةِ ديرسم، وبِيَدِ العنصرِ ترزي جمال في ولايةِ تولهلدان. بالإمكانِ وبكلِّ سهولةٍ طرحُ الفكرةِ القائلةِ أنّ عدداً جماً من العناصرِ المشبوهةِ لعبَت دورَها بوعيٍ أو من دونِه في حملاتِ التصفيةِ المتكاثفةِ في هذه الفترةِ المعقَّدةِ للغاية. هذا وكانت جبهةُ المقاومةِ في ساحةِ بوطان بهدينان قد نالت ضربةً قاضيةً حصيلةَ التمشيطِ العسكريِّ إلى جانبِ الهجومِ المشتركِ الذي شنّه KDP وYNK علينا في خريفِ 1992. كما إنّه تمَّ الوصولُ إلى مشارفِ تلَقّي ضربةٍ ساحقةٍ ذاتِ معنى استراتيجيٍّ آنذاك، مع حادثةِ الاستسلامِ التي ترأسَها السافل عثمان أوجالان. ومقابل ذلك، فقد عُدنا أدراجَنا من تخومِ التصفيةِ الاستراتيجيةِ تلك، عبر المقاومةِ الباسلةِ والماهرةِ والعزيمةِ التي لا تلين التي تمَّ إبداؤُها في كلِّ منطقة، وعلى رأسِها منطقةُ التخندقِ في الشرقِ الأوسط. علماً أنّ الأنصارَ الذين كانوا يحظَون بدعمٍ عظيمٍ من الشعب، كانوا متفوقين استراتيجياً آنذاك. لكنّ عقاربَ الساعةِ بدأَت تدورُ بالاتجاهِ المعاكس، عندما اتحدَت المجازرُ التي ارتَكبَتها شبكةُ غلاديو في العديدِ من المحافظاتِ والأقضية، ومبادراتُ تصفيةِ التنظيمِ والأنصارِ داخلياً مع هجومِ كلٍّ من KDP وYNK علينا. ومع ذلك، كان وارداً أنْ يصبحَ التفوُّقُ الاستراتيجيُّ للأنصارِ قائماً حينها. لكنّ العجزَ عن ترسيخِ القيادةِ التكتيكيةِ بأيِّ شكلٍ من الأشكال، قد آلَ إلى عدمِ انتهازِ هذه الفرصةِ التاريخيةِ على النحوِ الذي تستحقُّه. ولهذا السببِ بالضبط، مُنِيَ PKK بخسائر فادحةٍ بمنوالٍ لا يستحقُّه بتاتاً، وعجزَ عن إحرازِ انتصاراتٍ عاليةِ المستوى مما هو خليقٌ به حقاً. ولا ينفكُّ تنويرُ الأحداثِ والمستجداتِ الحاصلةِ في هذه الفترة، وخاصةً في أواخرِها؛ بمثابةِ مشكلةٍ أساسيةٍ عالقة.
d) تشملُ المرحلةُ الرابعةُ من حروبِ الغلاديو الفترةَ الممتدةَ ما بين عامَي 1993 1998. كان مناهِضو موقفِ الحلِّ السلميِّ والسياسيِّ الذي رادَه أوزال بشأنِ القضيةِ الكردية، يتمتعون ببعضِ الفرصِ المناسبةِ التي تُمَكِّنُهم من البدءِ بهذه المرحلةِ الجديدة. حيث كانوا دُفِعوا خارجياً إلى الحِراكِ على خلفيةِ الدعمِ الأمريكيِّ والإسرائيليِّ الكبيرِ لهم. والتصريحُ الذي أدلى به قائدُ هيئةِ الأركانِ العامةِ آنذاك "دوغان كوريش" لدى عودتِه من لندن في مطلعِ سنةِ 1990، حين قال "أُشعِلَ لنا الضوءُ الأخضرُ لأجلِ سحقِ PKK"؛ إنما كان في واقعِ الأمرِ إشارةً منه إلى ذلك الدعم. ينبعُ دعمُ إسرائيل للجمهوريةِ التركيةِ بهذه الدرجة، إلى قلقِها من تموقُعِ PKK في الشرقِ الأوسط. إذ كانت إسرائيلُ تسعى إلى إخضاعِ PKK لحاكميةِ KDP، لعدمِ رغبتِها في تطورِ حركةٍ كرديةٍ مستقلةٍ وحرةٍ ومعتمدةٍ على قواها الذاتية. أي أنها لَم تَكُنْ ضد الحركةِ الكرديةِ عموماً، بل ضد طرازِ PKK. لذا، شهدَت العلاقاتُ التركيةُ الإسرائيليةُ أوجَ انتعاشِها فيما بين 1993 1996 بسببِ PKK. في حين كانت أمريكا وإنكلترا تتحكمان بتركيا تقليدياً عن طريقِ غلاديو الناتو. أي أنّ دعامتَهما الأساسيةَ كانت وجودَ الغلاديو. حيث أكملتا داخلياً كلَّ استعداداتِهما لتطبيقِ مخططِهما التصفويِّ بعدَ الاتفاقِ مع حلفِ سليمان ديميريل وتانسو تشيللر وأردال إينونو. كما وجرَّدتا تورغوت أوزال ممن حوله، وحَوَّطتاه تماماً حتى ضمن حزبِه "حزبِ الوطن الأم ANAP". كان قد سُوِّيَ أمرُ كلٍّ من مندرس وأوزال وأجاويد في تركيا بنفسِ الأسلوب، أي من خلالِ فعالياتِ الغلاديو. حيث اكتسبَت الغلاديو زخماً كبيراً من الخبرةِ في فرضِ العزلةِ ثم تطبيقِ التصفيةِ على كلِّ مؤسسةٍ أو شخصيةٍ ذاتِ أهميةٍ مصيريةٍ تودُّ تجييرَها وجرَّها إلى مجراها هي، من خلالِ هذا الأسلوب.من هنا، يستحيلُ صياغةُ تحليلٍ ملموسٍ وصحيحٍ بصددِ أيِّ حدثٍ أو سياقٍ سياسيٍّ أو عسكريٍّ أو اقتصاديٍّ جادّ، ما لَم يُوضَع نُصبَ العينِ تأثيرُ ونفوذُ الغلاديو داخل الإدارةِ التركيةِ في غضونِ الأعوامِ الخمسين أو الستين الأخيرة. فشبكةُ غلاديو هي الحلقةُ الأخيرةُ لسلسلةِ الانقلاباتِ والمؤامراتِ والمكائدِ التي رُصِفَت أرضيتُها في عامِ 1914، بل وابتدأَت قبلَ ذلك، عندما خُلِعَ السلطان عبد الحميد في 1909. أما الفاشيةُ التركيةُ البيضاء، فما يَقومُ بتسييرِها أساساً، هو التنظيماتُ التي من طرازِ غلاديو، والتي تحتلُّ مكانَها ضمن سلسلةِ تلك المؤامرات. هذه هي القوى المُعَيِّنة. بينما أولئك الذين يطفون على السطح، وخاصة الساسةُ المدنيون، يؤدون دورَ القناعِ المُمَوِّه، فقط لا غير. أما الجدالُ الزائفُ الذي يحتدمُ فيما بينهم، فهو بغرضِ مُواراةِ ألاعيبِ السلطةِ والقائمين على تلك الألاعيبِ في الخفاء، وحساباتِهم الحقيقيةِ بصددِ السلطة.
لقد مُورِسَت بحقِّ الشعبِ الكرديِّ وPKK في سنةِ 1993 واحدةٌ من أكبرِ حملاتِ التصفيةِ التي عرفَها التاريخ، في الحينِ الذي كان مُوالو السلامِ والحلِّ السياسيِّ داخلَ الدولةِ يتعرضون أيضاً للتصفية. هكذا، أُفرِغَت وحُرقَت حوالي أربعَ آلاف قرية، وهُجِّرَ ملايينُ القرويين كُرهاً ودون تقديمِ أيةِ حجةٍ قانونية. كما نُهِبَت أملاكُهم وأشياؤُهم ومنازلُهم وحقولُهم، ثم قُدِّمَت هديةً لحماةِ القرى؛ وقُتِلَ آلافُ القرويين على يدِ حماةِ القرى وحزب الله وJİTEM (كان هؤلاء متداخلين أصلاً). وتمَّ الاعتداءُ على النساءِ واغتصابُهن. وجُرِّدَ الأطفالُ من هوياتِهم (بازدرائِهم واستحقارِهم عبر أساليبِ الصهر، ومن خلالِ حوادثِ الاعتداءِ والاغتصابِ المُعاشةِ بكثافة) في أماكنِ الإبادةِ الجماعيةِ التي تُسمى "المدارس الداخلية". أما القرى والمدنُ المتبقية، فتمَّ تقنينُ الموادِّ الغذائيةِ فيها، وتوزيعُها تحت المراقبة. كما واستفردوا بإدارةِ شؤونِ التهريب، وتشاطروا فيما بينهم الغنائمَ التي بلغَت في عهدِ تانسو تشيللر عشرين مليار دولاراً، حسبما أشارت إليه الوثائقُ التي استولوا عليها. وبينما وضعوا إشارةَ حظرٍ على رجالِ الأعمالِ وأصحابِ المتاجرِ الكردِ المخلصين، فقد فرضوا الإفلاسَ على مَن لَم يتمكنوا من تجييرِهم. ومَن تَبَقّى منهم جعلوه امتداداً للكونتر كريلا. وضاعفوا عددَ حماةِ القرى إلى مائة ألف. وكلُّ مَن لَم يتعاملْ أو يتواطأْ معهم، أعلنوه عدواً. ورَتَّبوا ضد PKK أكثرَ التمشيطاتِ شموليةً في تاريخِ الجمهورية. واستخدموا KDP وحماةَ القرى والعملاء المُخبِرين لأجلِ ذلك إلى آخرِ درجة، بل ووضعوهم في الصفوفِ الأمامية لهذا الغرض. هذا وسُيِّرَت تمشيطاتٌ حربيةٌ ممتدةٌ على سياقٍ زمنيٍّ طويل، وبقوةٍ تَفوقُ القوى المستَخدَمةَ في الحربِ ضد اليونانِ أضعافاً مضاعفة. ولَم يَجْرِ الالتزامُ بأيةِ قاعدةٍ من قواعدِ الحرب. فحتى جثامينُ الكريلا قُطِّعَت ومُزِّقَت إرباً إرباً.
أي أنّ الحربَ كانت تُديرُها قوى الغلاديو - JİTEM - حزب الله، أكثر مما هي قوى الأمنِ الداخليّ. فهذه القوى المُحَصَّنةُ بصلاحياتٍ فوق القانونِ والدستور، كانت تزعمُ أنها تخوضُ حربَ الحياةِ أو الموت. ذلك أنّ "الخطرَ الكرديَّ" كان يضارعُ الخطرَين اليونانيَّ والأرمنيَّ بأضعافٍ مضاعفة. وبالفعل، كانت قد أُصيبَت بالبارانويا في هذا الصدد، إذ كانت تتطلعُ إلى التصفيةِ الحتميةِ دون بد. فحاكَت عدداً جماً من المؤامراتِ الخاصة. واختِيرَ "ساقب صبانجي" هدفاً لاغتيالِه، لا لشيءٍ سوى لأنه أمَرَ بإعدادِ تقريرٍ بشأنِ القضيةِ الكردية. حيث قامَ ألب أرسلان توركيش بذاتِ نفسِه بتهديدِ صابانجي قائلاً "إنك تتجاوزُ الحدّ". ولَم يُترَكْ صحفيٌّ إلا واشترَوا ذِمَّتَه. كما إنّ تفجيرَ طناً كاملاً من الديناميتِ في آخِرِ مؤامرةٍ مُدَبَّرةٍ ضدي في 6 أيار 1996 (المؤامرة التي نسجَ خيوطَها كلٌّ من عبد الله جاتلي وسادات بوجاق وكَلَش عبدي أوغلو رئيس بلديةِ "ويران شهير")، هو أحدُ معالِمِ هذه المرحلة. هكذا ازدادَ الانقسامُ داخل الجيشِ عمقاً. أما مساعي فَتحِ مسافةٍ فاصلةٍ في العلاقةِ مع الغلاديو، والتي بدأَت مع إسماعيل حقي قرادايي (رئيس هيئة الأركان العامة لِما بين 1994 1998)؛ فكانت محصلةً لنمطِ الحربِ الطائشةِ المحتدمةِ في هذه المرحلة. بل وقد جَرَّدوه هو أيضاً من صلاحياتِه. فأسيادُ الغلاديو باتوا الأصحابَ الحقيقيين للسلطةِ بكلِّ معنى الكلمة، بعد القضاءِ على أوزال وفريقِه. بالتالي، لَم يتَعَدَّ دورُ الطافحين على السطحِ كونَهم صُوَراً سياسيةً شكلية. أما خلاصُ حسين كفرك أوغلو، الذي استلمَ منصبَ رئاسةِ هيئةِ الأركانِ العامةِ في 1998، ونجاتُه بأعجوبةٍ من الهجومِ المسلحِ المُدَبَّرِ له في قبرص، ثم موتُ العقيدِ بعد ذلك مباشرةً؛ فهو حادثٌ آخر بالغُ الأهمية، ويَسردُ للعَيانِ مدى تحركِهم الأعمى بخصوصِ القضاءِ على كلِّ مَن لَم يَنَلْ رضاهم أو لَم يناسبْهم.
وعلى غرارِ فترةِ ما بين 1985 1993، اعتَبَرتُ الاستفادةَ إلى آخِرِ درجةٍ من فرصِ التموقُعِ في الشرقِ الأوسطِ تكتيكاً أساسياً. وذلك كي لا تخسرَ الحربُ الشعبيةُ الثوريةُ من وتيرتِها شيئاً، وكي لا تفقدَ سيرورتَها في هذه المرحلةِ الجديدةِ أيضاً. كنتُ على قناعةٍ بأنّ هذا هو النشاطُ الأكثرَ تأثيراً. ومرةً ثانيةً عُمِلَ على إيصالِ الغالبيةِ الساحقةِ من مرشحي الأنصارِ الذين ناهزَ تعدادُهم الألفَ في كلِّ سنةٍ إلى أماكنِ مقراتِهم، بعدَ تدريبِهم وتعبئتِهم وتغطيةِ كافةِ احتياجاتِهم. ولَم يتمّْ التراجعُ عن أيِّ خندقٍ من خنادقِ الكريلا في أيةِ ساحةٍ داخل الوطن. بل وفُتِحَت قنواتٌ أخرى أيضاً. أما الخسائرُ التي تكبدناها، فكان تأثيرُها أَشبَهُ بتشذيبِ بعضِ أغصانِ الشجرة، لا غير. لذا، كانت شجرةُ الاستقلالِ والحريةِ تزدهرُ أكثر فأكثر في كلِّ فترة، مواظبةً على تضخمِها. ولَم نتراجعْ خطوةً واحدةً عن الصراعِ الأيديولوجيِّ والسياسيِّ المُخاضِ بِشَقِّ الأنفُسِ وبلا هوادة. ومع ذلك، لَم نستطعْ بأيِّ شكلٍ من الأشكالِ إحرازَ النصرِ المؤزرِ أو بلوغَ التوازنِ المأمول. لكن، ومهما حاوَلَت حربُ الغلاديو الخارجيةُ بسطَ نفوذِها، إلا إنها لَم تَكُ مُحَدِّدةً في ذلك. بل إنّ المُحَدِّدَ هنا كان عدمُ التمكنِ بأيِّ حالٍ من الأحوالِ من تأمينِ الترسيخِ الكافي للقيادةِ التكتيكيةِ والإداراتِ الأنصارية. وقد كانت المشكلةُ الأصلُ تنبعُ هنا من الهيئةِ القيادية، بالرغمِ من التأثيرِ الهامِّ للمندسين ولمساعيهم التصفويةِ في هذا المضمار. وقد كان الصراعُ يفرضُ حضورَه في هذه الساحةِ بالأكثر، سواء على الصعيدِ الطبقيِّ أم من ناحيةِ الشخصية. ورغمَ فشلِ محاولةِ الاغتيالِ الحاصلةِ في السادسِ من أيار، إلا إنّ العمليةَ الفدائيةَ التي قامت بها زينب كناجي في ولايةِ ديرسم في 30 حزيران، بعدَما انتبَهَت بأحسنِ وجهٍ إلى الخطرِ العظيمِ الذي يحتوي عليه ذلك الهجوم؛ كانت ستُحَوِّلُ سنةَ 1996، التي شهدَت الانسدادَ التكتيكيَّ داخلياً وفرضَ الإبادةِ خارجياً، إلى سنةٍ انفتحَت فيها الآفاقُ أمام التكتيك، وازدادَ وضوحُ ملامِحِ الدربِ المؤديةِ إلى النصر.
لقد رأيتُ بكلِّ جلاءٍ في هذه المرحلة، أنّ الحربَ الشعبيةَ هي صراعٌ طبقيٌّ طاحنٌ في الوقتِ نفسِه. وخَصَّصتُ حيزاً فسيحاً لهذا الواقعِ ضمن التحليلاتِ التي قمتُ بصياغتِها. هذا وقد كانت هناك فرصةٌ فائضةٌ عن الحدِّ لإحرازِ نصرٍ استراتيجيٍّ في أواخرِ أعوامِ التسعينيات، تماماً مثلما كان الأمرُ في مطلعِها. فالحوارُ المبتدئُ مع مبادراتِ تورغوت أوزال، قد استمرَّ في 1997 عن طريقِ رئيسِ الوزراءِ آنذاك نجم الدين أربكان، وجناحٍ من الجيش. ومرةً أخرى دنَونا كثيراً من السلامِ والحلِّ السياسيّ. لكنّ فرصةَ السلامِ والحلِّ السياسيِّ المرتَقَبَةَ من تلك المحاورات، لَم يُستَفَدْ منها قط، ولَم يُفسَحْ المجالُ أمامها إطلاقاً؛ وذلك بسببِ وضعِ نفسِ شبكةِ الغلاديو تلك يدَها على الأمرِ مرةً أخرى، وبدءِ القوى الداخليةِ والخارجيةِ المتسترةِ وراءها بالحراكِ على حدِّ اعتقادي. من هنا، فعدمُ إفساحِ الطريقِ أمام الحلِّ السلميِّ والسياسيّ، الذي بُوشِرَ به على مستوى رئاسةِ الوزراء ورئاسةِ هيئةِ الأركانِ العامةِ على حدٍّ سواء؛ إنما يبسطُ للمَلأِ، وبأسطعِ الأشكالِ وأكثرِها علانيةً، مدى نفوذِ الناتو والغلاديو وامتداداتِهما الداخليةِ ضمن النظامِ القائمِ في تركيا. موضوعُ الحديثِ هنا هو نظامٌ انهارَ على الجمهوريةِ ككابوسٍ يَقضُّ مضجعَها.
لقد أُريدَ في أيلولِ عامِ 1998 وضعُ حدٍّ نهائيٍّ لتموقُعي الاستراتيجيِّ في الشرقِ الأوسط، من خلالِ تلويحِ الدولةِ التركيةِ بخطرِ شنِّ الحربِ على سوريا. وقد كان للموقعِ الاستراتيجيِّ الذي تتحلى به تلك الساحةُ وأتميزُ به أنا، دورُه الأوليُّ في بلوغِ هذه النقطة. لكنّ الدافعَ الأساسيَّ وراء ذلك حسب رأيي، هو ولوجُ الحلِّ السلميِّ والسياسيِّ جدولَ الأعمالِ مرةً أخرى، وبدرجةٍ لا يُستَهانُ بها. إذ كان بإمكانِهم الهجومُ على سوريا قبلَ ذلك بكثير على الصعيدِ العسكريّ، حيث ما من رادعٍ كان يَصُدُّهم عن ذلك في هذا السياق. أما اختيارُ هذه الفترة، أو هذه السنةِ بالتحديد، إنما هو معنيٌّ عن كثبٍ بورودِ احتمالِ الحلِّ السلميِّ والسياسيّ. وبإيجاز، كان يُرادُ للقرارِ المتَّخَذِ في مؤتمرِ القاهرةِ المنعقدِ عام 1920 أنْ يظلَّ قائماً في الأجندة. فإبقاءُ القضيةِ الكرديةِ تسبحُ في بحرِ العُقمِ واللاحلّ، إنما يتسمُ بأهميةٍ مصيريةٍ بالنسبةِ إليهم، لِما تتميزُ به منطقةُ الشرقِ الأوسطِ وخاصةً بتركيا من أهميةٍ عظيمةٍ بالنسبةِ إليهم. لذا، فتقييمُ مواقفِ العديدِ من القوى الداخليةِ والخارجيةِ إزاء PKK، وبالتالي إزاء الكردِ أيضاً ضمن هذا المحور؛ سيَكُونُ مُنَوِّراً ومفيداً أكثر. كان ينبغي أنْ تَكُونَ سنةُ 1998 نقطةَ انعطافٍ فعلاً بالنسبةِ إليَّ أنا أيضاً. ومثلما تناولتُه بكثافةٍ في التحليلاتِ أيضاً، ما كان لحربِ الأنصارِ الارتقاءُ إلى مستوى أعلى، من دونِ تحطيمِها جدرانَ هذه الدوامةِ العقيمة، أو بالأحرى، من دونِ خلاصِها من التسَمُّرِ والانحصارِ ضمن فَكَّي ثالوثِ الغلاديو - JİTEM - حزب الله. وقد كانت النواقصُ الداخليةُ لا تنفكُّ مُعَيِّنةً في هذا الموضوع. من هنا، وفي حالِ غيابِ الحلِّ السلميِّ والسياسيّ، ما كان بالإمكانِ غيرُ التفكيرِ بتصعيدِ الحربِ الشعبيةِ الثوريةِ إلى مرتبةٍ أعلى.
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 37
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 38
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 39
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 40
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 41
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 42
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 37
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 38
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 39
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 40
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 41
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 42
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 37
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 38
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 39
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 40
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 41
Warning: Trying to access array offset on value of type bool in /home/komunar/public_html/ar/includes/reklamlar.php on line 42